الداعية والفضاء المفتوح - 1 يوليو 2016
2021-10-11 570
إن مقام الدعوة في الإسلام عظيم بل أساس من أسس انتشاره وركن من أركان قيامه .
وفي عصرنا الحاضر لم تعد مهمةُ الداعيةِ اليومَ مهمةً سهلةً!،فالداعيةُ الذي كان بالأمسِ يتلو آيةً من كتابِ اللهِ، ويقرأ حديثاً نبوياً، فيجدُ الآذان صاغيةً والعيونَ باكيةً والقلوبَ خاشعةً، أصبحَ اليومَ إذا تحدَّثَ يحاصَرُ بمئاتِ الأسئلةِ، والإشكالاتِ، والاعتراضاتِ، ذلكَ أن التدفقَ المعلوماتيَّ الهائلَ صدَمَ عقولَ الكثيرينَ بماهي غيرُ قادرةٍ على استيعابِهِ فتخبَّطَتْ وهي تظنُّ أنَّها تُحسنُ صنعاً أو تُتقنُ علماً!
والأخطرُ أنَّ هذا الدفقَ المعلوماتيَّ لم يكنْ كلُّهُ عفْوياً، بل استغلَّتْهُ تياراتٌ منحرفةٌ، ومجموعاتٌ ضالةٌ، فبثتْ من خلالِهِ كثيراً من شبهها ، وأباطيلِها ، وأكاذيبها ، وتلبيساتِها ، مما أوقعَ شرائحَ من أبناءِ المسلمينَ في فِخاخِ الإلحادِ أو البدعةِ أو الانحلالِ أو الغلوِّ والتطرفِ، ونشأتْ من ذلك (انحرافاتٌ فكريةٌ) خطيرةٌ باتتْ مقاومتُها اليومَ من أوجبِ واجباتِ الدعاةِ إلى اللهِ عزوجل .
وهذه المقاومةُ الدعويةُ للانحرافاتِ الفكريةِ توجبُ على الداعيةِ ثلاثةَ أنواعٍ ضروريةٍ من التكوينِ والبناءِ:
النوعُ الأولُ نوعٌ علميٌّ عقليٌّ: يقتضي الإلمامَ بالمعارفِ والعلومِ الشرعيةِ وغيرِ الشرعيةِ مما يتماسُّ مع هذه الانحرافاتِ، ويقتضي الردُّ عليها استيعابَهُ وإتقانَهُ .
والنوعُ الثاني نوعٌ مهاريٌّ: يتطلبُ اكتسابَ مهاراتِ الحوارِ، والإقناعِ، وطرائقِ الجدلِ المنطقيِّ، مع التدرُّبِ على سعةِ الصدرِ والحلمِ واستيعابِ اندفاعِ المندفعينَ ،وامتصاصِ سفاهةِ السفهاءِ .
والنوعُ الثالثُ نوعٌ تقنيٌّ: حاصلُهُ انفتاحُ الداعيةِ على وسائلِ التواصلِ التقنيةِ الحديثةِ، تلك التي أخذتْ بلبِّ الشبابِ والشاباتِ، فلا يَحْسنُ بداعيةٍ متصدرٍ ألا يكونَ على معرفةٍ بالحاسوبِ وبرامجهِ، والانترنت وخباياها ولا يَحْسنُ به أن يكون معزولاً عن شبكات التواصل الاجتماعيِّ كتويتر وفيسبوك وسناب شات وبيرسكوب وانستجرام وغيرها كلٌّ بحسب الشائع في بلدِهِ والمتداولِ بين أهلِهِ وناسِه .
ولاريب أن كل هذا التكوينِ بسائر أنواعِهِ لا غنى له عن الأصلِ والقاعدةِ الصلبةِ المتينةِ وهي الإخلاصُ لله عزوجلَّ وصدقُ اللهجةِ ورحمةُ الخلقِ والتماس الحق . وفضلاً عن هذا كله جعل الله لصاحبها أجراً عظيماً ومنزلة كبيرة ومقاماً كريماً في الآخرة . قال تعالى (ومَنْ أحسنُ قولاً ممن دعا إلى الله وعَمِلَ صالحاً وقال إنني من المسلمين) .